حمل ءامنة
قال بعض العلماء ممن أَلف في قصة المولد النبوي الشريف:
حملت ءامنة بنت وهب برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب، وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إِجلالاً للذي في بطنها، وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرت بذلك زوجها عبد الله فقال: هذه كرامة للمولود الذي في بطنك، قالت: وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي، وسمعت قائلاً يقول: هذا نور السيد الرسول، ثم رأيت في المنام شجرة، عليها نجوم زاهرة، بينهن نجمة فاخرة، أضاء نورها على الكل، وبينما أنا ناظرة إلى نورها واشتعالها إذ سقطت في حجري، وسمعت هاتفًا يقول: هذا النبيّ السيد الرسول، ثم أتاني ملك ومعه ورقة خضراء فقال: إنك قد حملت بسيد المرسلين ونبي المؤمنين، قالت: فانتبهت من نومي مرعوبة، وحدثت بذلك زوجي فقال: قومي إلى خليفة بن عتاب يفسر لك هذا المنام، قالت: فأتيت إليه وقصصت عليه هذا المنام فقال: الشجرة إبراهيم الخليل، والنجوم الزاهرة هم الأنبياء من أولاده، والنجمة الفاخرة التي علا ضوؤها على الكل فهو نبيّ يظهر في هذا الزمان يكسر الأوثان ويعبد الرحمن، وأما سقوطها في حجرك فسوف تلدينه وسيعلو مكانه وينتشر في المشرق والمغرب برهانه، فرجعت إلى منزلي فرحة مسرورة. ومرض عبد الله ومات بالمدينة، ولآمنة ستة أشهر وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات عبد الله وكان عمره ثماني عشرة سنة كما صححه الحافظ صلاح الدين العلائي، ولما مات قالت الملائكة (من باب السؤال لا الاعتراض): إلهنا يبقى نبيك وحبيبك يتيمًا، قال الله تعالى:"يا ملائكتي أنا أولى بحفظه من أمه وأبيه، وأنا خالقه ورازقه ومربيه، ومظفره على أعاديه، ولي تدبير ذلك وأنا على كل شىء قدير".
ولما حملت ءامنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر صفاء يقينها، وانطوت الأحشاء على جنبيها، وسطع نور محمد صلى الله عليه وسلم على جبينها، قالت ءامنة بنت وهب: لما كان أول شهر من شهوري شهر الله رجب، فبينما أنا ذات ليلة إذ دخل عليّ رجل حسن الوجه طيب الرائحة وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: مرحبًا مرحبًا بك يا محمد، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا ءادم، فقلت: ما تريد يا أبا البشر؟ قال: أبشري يا ءامنة بسيد البشر، وفخر ربيعة ومضر، ومن ينشق له القمر، ويسلم عليه الحجر، ويسعى إلى خدمته الشجر.
فلما كان في الشهر الثاني دخل علي رجل جليل القدر وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا خليل الله، السلام عليك يا صفوة الله، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا شيث، قلت: وما تريد يا شيث؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الكريم، والسيد العظيم، الضب له يكلم، والحجر عليه يسلم، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الثالث دخل علي رجل له سكينة ووقار، وعليه ضياء وأنوار، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا مزمل، السلام عليك يا مدثر، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا النبي إدريس، فقلت: وما تريد يا إدريس؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الرئيس، والجوهر النفيس، صاحب التسبيح والتقديس، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الرابع دخل علي رجل أسمر، مليح المنظر، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صادق، السلام عليك يا صفوة
فلما كان في الشهر الخامس دخل علي رجل حسنه مكمل، ووجهه مجمل، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا زين المرسلين، السلام عليك يا إمام المتقين، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا نبي الله هود، قلت وما تريد يا هود؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي المسعود، والرسول المحمود، صاحب الكرم والجود، واللواء المعقود، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر السادس دخل علي رجل جليل المقدار كثير الأنوار وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا حبيب المحبوب، السلام عليك يا بغية المطلوب، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا إبراهيم الخليل، قلت: ما تريد يا إبراهيم؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الجليل والرسول الفضيل، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر السابع دخل علي رجل أملح، ووجهه من البدر أصبح، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صفوة الإله، السلام عليك يا عظيم الجاه، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا أبوه إسماعيل الذبيح، فقلت له: سيدي وما تريد؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي المليح، صاحب النسب الصحيح، واللسان الفصيح، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الثامن دخل علي رجل طويل القامة، مليح الهامة، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا إمام الأبرار، السلام عليك يا حبيب الملك الجبار، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، فقلت: وما تريد يا موسى؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بمن ينزل عليه القرءان. ويكلمه الرحمن، ويزين به الثقلان، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر التاسع دخل علي رجل لابس الصوف، وهو بالعبادة موصوف، فأشار بيده إلى فؤادي وهو يقول: السلام عليك يا زين الخلائق، السلام عليك يا مظهر الحقائق، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا عيسى ابنُ مريم، فقلتُ: ما تريد يا عيسى؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الأكرم، والعطوف الأرحم، وفي هذا الشهر تضعين محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وضع ءامنة
قالت ءامنة: فلما دخل شهر ربيع الأول في اثنتي عَشْرَة ليلة خلت منه، وهي ليلة الاثنين من الليالي البيض اللاتي ليس فيهن ظلام، وكان عبد المطلب قد خرج يطوف بالبيت هو وأولاده ولم يبق عند ءامنة ذَكَر ولا أنثى وقد أغلق عبد المطلب عليها الباب خوفًا عليها من طارق يطرقها، قالت ءامنة: وبقيت في المنزل وحيدة إذ سمعتُ حركة بين السماء والأرض ورأيت ملَكًا عظيمًا بيده ثلاثة أعلام، فنشر الأول على مشرق الأرض، والثاني على مغربها، والثالث على البيت الحرام.
قالت ءامنة: لما كانت الليلة الثانية عشرة من شهر ربيعٍ الأول أحسستُ بالذي في بطني يريدُ النزول فلحقني البكاءُ لوَحدتي في المنزل وليس عندي أحدٌ، فنظرت إلى ركنِ المنزلِ وقد ظهر منه أربعُ نساءٍ طوالٍ كأنهن الأقمار، متزرات بأزر بيض يفوح الطيب من أعطافهن، فقلت لهن: من أنتن اللاتي مَنَّ الله عليَّ بكن في وحدتي، وفرج بكن كربتي؟ قالت الأولى: أنا مريم بنت عمران، والتي على يسارك سارة زوجة إبراهيم، والتي تناديك من خلفك هاجر أم إسماعيل الذبيح، والتي أمامك ءاسية بنت مزاحم امرأة فرعون، فاستبشرت بهن وفرحت فرحًا عظيمًا. فتقدمت الأولى وقالت: أبشري يا ءامنة، من مثلك وقد حملت بسيد أهل الأرض والسماء، ومصباح الدنيا وخاتم الأنبياء، والحبيب المصطفى، ثم جلست عن يميني.
ثم تقدمت الثانية وقالت: من مثلك يا ءامنة، فقد حملتِ بالحبيب الأعلى، وَالمُشَفَّعِ في الخلق غدًا، أفضل من وطىء الثرى والحصى.
ثم تقدمت الثالثة وقالت: يا ءامنة نهنئك بسيد البشر، وفخر ربيعة ومضر، ومن ينشق له القمر، ويكلمه الشجر والحجر. ثم تقدمت الرابعة، وهي أكبرهن هيبة وأكثرهن بهجة ونادت: يا ءامنة، من مثلك وقد خصصت بالمبعوث بالفضائل والمفاخر، صاحب المعجزات والمآثر، ثم جلست بين يدي وقالت: ألقي بنفسك عليَّ، وميلي بكليتك إليَّ، قالت ءامنة: فجعلت أنظر إلى أشباح يدخلون عليَّ أفواجًا يهنئونني وأنا حيرانة، وهم يخاطبونني بخطاب لم أسمع قط أحلى منه ولا أرق.
قالت ءامنة: وفي تلك الساعة رأيت الشهب تتطاير يمينًا وشمالاً، ورأَيت المنزل قد اعتكر عليَّ بأصواتٍ مشتبهات ولغات مختلفات، فأوحى الله تعالى إِلى رضوان: يا رضوان زين الجنان، وَصُفَّ على غرفها الحور والولدان، فتبادرت بزينتها الحور الحسان، وأشرفت من غرف الجنان، وأزهرت الأوراق والأشجار والأغصان، وقطرت قطرات الرَّحمة على أَوراق الأفنان، واهتز العرش طربًا، ومال الكرسي عجبًا، وخرت الملائكة سجدًا، وماج الثَّقلان، وأظهر سرّه المَلِكُ الديَّان المنزه عن السكون والحركة والانتقال والمكان، تعالى ربنا ذو الجلال.
ثم إن الله تعالى أَوْحى إلى جبريل أَن صف أَقداح راح الشَّراب، للكواعب الأتراب، وانشر نوافح المسك الذَّكية، وعطّر الكون بالروائح الطيبة الزكية، وافرش سجَّادة القرب والوصال، للمصطفى المُصلي فِي محراب الكمال، وقيل: يا مالكْ أغلق أَبواب النّيران، وصفد الشَّياطين لهبوط الملائكة المقرَّبين، ونودي في أَقطار السموات فهبط الأمين إِلى الأرض بالملائكة المقربين، وقد حجبتهم سحابة من الكافور الأَبْيَض، فرجعت برياح الرحمة من مجاري سحب الكرامة تربض، ورفرفت الأطيار، وجاءت الوحوش من القفار، وكل ذلك بأمر الملك الجبار.
قالت ءامنة: ولم يأخذني ما يأخذ النساء من الطلق إلا أني أعرق عرقًا شديدًا كالمسك الأذفر، لم أعهده قبل ذلك من نفسي، فشكوت العطش، فإذا بملَك ناولني شربة من الفضة البيضاء فيها شراب أحلى من العسل وأبرد من الثلج وأذكى رائحة من المسك الأذفر، فتناولتها فشربتها فأضاء علي منها نور عظيم، فحرت لذلك وجعلت أنظر يمينًا وشمالاً وقد اشتد بي الطلق، فبينما أنا كذلك فإذا أنا بطائر عظيم أبيض قد دخل علي وأمَرّ بجناحيه على بطني وقال: انزل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأعانني عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة، فوضعت الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم، انجلى حندس الظلم.
قالت ءامنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما خرج مني خرج معه نور أضاء له المشرق والمغرب. وولد صلى الله عليه وسلم مكحولاً مدهونًا مسرورًا (مقطوع السرة) مختونًا، وحين ولد سارعت إلى طلعته المباركة ثلاثة من الملائكة، مع أحدهم طست من الذهب، ومع الثاني إبريق من الذهب، ومع الثالث منديل من السندس الأخضر، وغسلوه بماء الرحيق.
قالت ءامنة بنت وهب: فلما وضعته رأيته رافعًا رأسه إلى السماء مشيرًا بإصبعه، فاحتمله جبريل وطارت به الملائكة، ولفه ميكائيل في ثوب أبيض من الجنة، وأعطاه إلى رضوان يزقه كما يزق الطير فرخه، وكنت أنظر إليه كأنه يقول: زدني، فقال له رضوان: يكفيك يا حبيب الله، فما بقي لنبي علم وحلم إلا أوتيته، فاستمسك بالعروة الوثقى، من قال مقالتك واتبع شريعتك، يحشر غدًا في زمرتك، وإذا مناد ينادي: طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها، واعرضوه على موالد الأنبياء، وأعطوه صفوة ءادم، ومعرفة شيث، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ورضا إسحاق، وفصاحة إسماعيل، وحكمة لقمان، وصبر أيوب، ونغمة داود، وقوة موسى، وزهد عيسى، وفهم سليمان، وطب دانيال، ووقار إلياس، وعصمة يحيى، وقبول زكريا، واغمسوه في أخلاق النبيين كلهم، وأخفوه عن أعين العالمين، فهو حبيب رب العالمين، فطوبى لحجر ضمه، وطوبى لثدي أرضعه، وطوبى لبيوت سكنها، فقالت الطير: نحن نكفله، وقالت الملائكة: نحن أحق به وقالت والوحوش: نحن نرضعه. قال الله تعالى: أنا أولى بحبيبي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فإني قد كتبت أن لا ترضعه إلا أمتي حليمة.
قال بعض العلماء ممن أَلف في قصة المولد النبوي الشريف:
حملت ءامنة بنت وهب برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب، وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إِجلالاً للذي في بطنها، وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرت بذلك زوجها عبد الله فقال: هذه كرامة للمولود الذي في بطنك، قالت: وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي، وسمعت قائلاً يقول: هذا نور السيد الرسول، ثم رأيت في المنام شجرة، عليها نجوم زاهرة، بينهن نجمة فاخرة، أضاء نورها على الكل، وبينما أنا ناظرة إلى نورها واشتعالها إذ سقطت في حجري، وسمعت هاتفًا يقول: هذا النبيّ السيد الرسول، ثم أتاني ملك ومعه ورقة خضراء فقال: إنك قد حملت بسيد المرسلين ونبي المؤمنين، قالت: فانتبهت من نومي مرعوبة، وحدثت بذلك زوجي فقال: قومي إلى خليفة بن عتاب يفسر لك هذا المنام، قالت: فأتيت إليه وقصصت عليه هذا المنام فقال: الشجرة إبراهيم الخليل، والنجوم الزاهرة هم الأنبياء من أولاده، والنجمة الفاخرة التي علا ضوؤها على الكل فهو نبيّ يظهر في هذا الزمان يكسر الأوثان ويعبد الرحمن، وأما سقوطها في حجرك فسوف تلدينه وسيعلو مكانه وينتشر في المشرق والمغرب برهانه، فرجعت إلى منزلي فرحة مسرورة. ومرض عبد الله ومات بالمدينة، ولآمنة ستة أشهر وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات عبد الله وكان عمره ثماني عشرة سنة كما صححه الحافظ صلاح الدين العلائي، ولما مات قالت الملائكة (من باب السؤال لا الاعتراض): إلهنا يبقى نبيك وحبيبك يتيمًا، قال الله تعالى:"يا ملائكتي أنا أولى بحفظه من أمه وأبيه، وأنا خالقه ورازقه ومربيه، ومظفره على أعاديه، ولي تدبير ذلك وأنا على كل شىء قدير".
ولما حملت ءامنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر صفاء يقينها، وانطوت الأحشاء على جنبيها، وسطع نور محمد صلى الله عليه وسلم على جبينها، قالت ءامنة بنت وهب: لما كان أول شهر من شهوري شهر الله رجب، فبينما أنا ذات ليلة إذ دخل عليّ رجل حسن الوجه طيب الرائحة وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: مرحبًا مرحبًا بك يا محمد، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا ءادم، فقلت: ما تريد يا أبا البشر؟ قال: أبشري يا ءامنة بسيد البشر، وفخر ربيعة ومضر، ومن ينشق له القمر، ويسلم عليه الحجر، ويسعى إلى خدمته الشجر.
فلما كان في الشهر الثاني دخل علي رجل جليل القدر وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا خليل الله، السلام عليك يا صفوة الله، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا شيث، قلت: وما تريد يا شيث؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الكريم، والسيد العظيم، الضب له يكلم، والحجر عليه يسلم، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الثالث دخل علي رجل له سكينة ووقار، وعليه ضياء وأنوار، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا مزمل، السلام عليك يا مدثر، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا النبي إدريس، فقلت: وما تريد يا إدريس؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الرئيس، والجوهر النفيس، صاحب التسبيح والتقديس، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الرابع دخل علي رجل أسمر، مليح المنظر، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صادق، السلام عليك يا صفوة
فلما كان في الشهر الخامس دخل علي رجل حسنه مكمل، ووجهه مجمل، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا زين المرسلين، السلام عليك يا إمام المتقين، قلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا نبي الله هود، قلت وما تريد يا هود؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي المسعود، والرسول المحمود، صاحب الكرم والجود، واللواء المعقود، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر السادس دخل علي رجل جليل المقدار كثير الأنوار وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا حبيب المحبوب، السلام عليك يا بغية المطلوب، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا إبراهيم الخليل، قلت: ما تريد يا إبراهيم؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الجليل والرسول الفضيل، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر السابع دخل علي رجل أملح، ووجهه من البدر أصبح، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صفوة الإله، السلام عليك يا عظيم الجاه، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا أبوه إسماعيل الذبيح، فقلت له: سيدي وما تريد؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي المليح، صاحب النسب الصحيح، واللسان الفصيح، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر الثامن دخل علي رجل طويل القامة، مليح الهامة، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا إمام الأبرار، السلام عليك يا حبيب الملك الجبار، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، فقلت: وما تريد يا موسى؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بمن ينزل عليه القرءان. ويكلمه الرحمن، ويزين به الثقلان، ثم انصرف.
فلما كان في الشهر التاسع دخل علي رجل لابس الصوف، وهو بالعبادة موصوف، فأشار بيده إلى فؤادي وهو يقول: السلام عليك يا زين الخلائق، السلام عليك يا مظهر الحقائق، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا عيسى ابنُ مريم، فقلتُ: ما تريد يا عيسى؟ قال: أبشري يا ءامنة فقد حملت بالنبي الأكرم، والعطوف الأرحم، وفي هذا الشهر تضعين محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وضع ءامنة
قالت ءامنة: فلما دخل شهر ربيع الأول في اثنتي عَشْرَة ليلة خلت منه، وهي ليلة الاثنين من الليالي البيض اللاتي ليس فيهن ظلام، وكان عبد المطلب قد خرج يطوف بالبيت هو وأولاده ولم يبق عند ءامنة ذَكَر ولا أنثى وقد أغلق عبد المطلب عليها الباب خوفًا عليها من طارق يطرقها، قالت ءامنة: وبقيت في المنزل وحيدة إذ سمعتُ حركة بين السماء والأرض ورأيت ملَكًا عظيمًا بيده ثلاثة أعلام، فنشر الأول على مشرق الأرض، والثاني على مغربها، والثالث على البيت الحرام.
قالت ءامنة: لما كانت الليلة الثانية عشرة من شهر ربيعٍ الأول أحسستُ بالذي في بطني يريدُ النزول فلحقني البكاءُ لوَحدتي في المنزل وليس عندي أحدٌ، فنظرت إلى ركنِ المنزلِ وقد ظهر منه أربعُ نساءٍ طوالٍ كأنهن الأقمار، متزرات بأزر بيض يفوح الطيب من أعطافهن، فقلت لهن: من أنتن اللاتي مَنَّ الله عليَّ بكن في وحدتي، وفرج بكن كربتي؟ قالت الأولى: أنا مريم بنت عمران، والتي على يسارك سارة زوجة إبراهيم، والتي تناديك من خلفك هاجر أم إسماعيل الذبيح، والتي أمامك ءاسية بنت مزاحم امرأة فرعون، فاستبشرت بهن وفرحت فرحًا عظيمًا. فتقدمت الأولى وقالت: أبشري يا ءامنة، من مثلك وقد حملت بسيد أهل الأرض والسماء، ومصباح الدنيا وخاتم الأنبياء، والحبيب المصطفى، ثم جلست عن يميني.
ثم تقدمت الثانية وقالت: من مثلك يا ءامنة، فقد حملتِ بالحبيب الأعلى، وَالمُشَفَّعِ في الخلق غدًا، أفضل من وطىء الثرى والحصى.
ثم تقدمت الثالثة وقالت: يا ءامنة نهنئك بسيد البشر، وفخر ربيعة ومضر، ومن ينشق له القمر، ويكلمه الشجر والحجر. ثم تقدمت الرابعة، وهي أكبرهن هيبة وأكثرهن بهجة ونادت: يا ءامنة، من مثلك وقد خصصت بالمبعوث بالفضائل والمفاخر، صاحب المعجزات والمآثر، ثم جلست بين يدي وقالت: ألقي بنفسك عليَّ، وميلي بكليتك إليَّ، قالت ءامنة: فجعلت أنظر إلى أشباح يدخلون عليَّ أفواجًا يهنئونني وأنا حيرانة، وهم يخاطبونني بخطاب لم أسمع قط أحلى منه ولا أرق.
قالت ءامنة: وفي تلك الساعة رأيت الشهب تتطاير يمينًا وشمالاً، ورأَيت المنزل قد اعتكر عليَّ بأصواتٍ مشتبهات ولغات مختلفات، فأوحى الله تعالى إِلى رضوان: يا رضوان زين الجنان، وَصُفَّ على غرفها الحور والولدان، فتبادرت بزينتها الحور الحسان، وأشرفت من غرف الجنان، وأزهرت الأوراق والأشجار والأغصان، وقطرت قطرات الرَّحمة على أَوراق الأفنان، واهتز العرش طربًا، ومال الكرسي عجبًا، وخرت الملائكة سجدًا، وماج الثَّقلان، وأظهر سرّه المَلِكُ الديَّان المنزه عن السكون والحركة والانتقال والمكان، تعالى ربنا ذو الجلال.
ثم إن الله تعالى أَوْحى إلى جبريل أَن صف أَقداح راح الشَّراب، للكواعب الأتراب، وانشر نوافح المسك الذَّكية، وعطّر الكون بالروائح الطيبة الزكية، وافرش سجَّادة القرب والوصال، للمصطفى المُصلي فِي محراب الكمال، وقيل: يا مالكْ أغلق أَبواب النّيران، وصفد الشَّياطين لهبوط الملائكة المقرَّبين، ونودي في أَقطار السموات فهبط الأمين إِلى الأرض بالملائكة المقربين، وقد حجبتهم سحابة من الكافور الأَبْيَض، فرجعت برياح الرحمة من مجاري سحب الكرامة تربض، ورفرفت الأطيار، وجاءت الوحوش من القفار، وكل ذلك بأمر الملك الجبار.
قالت ءامنة: ولم يأخذني ما يأخذ النساء من الطلق إلا أني أعرق عرقًا شديدًا كالمسك الأذفر، لم أعهده قبل ذلك من نفسي، فشكوت العطش، فإذا بملَك ناولني شربة من الفضة البيضاء فيها شراب أحلى من العسل وأبرد من الثلج وأذكى رائحة من المسك الأذفر، فتناولتها فشربتها فأضاء علي منها نور عظيم، فحرت لذلك وجعلت أنظر يمينًا وشمالاً وقد اشتد بي الطلق، فبينما أنا كذلك فإذا أنا بطائر عظيم أبيض قد دخل علي وأمَرّ بجناحيه على بطني وقال: انزل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأعانني عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة، فوضعت الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم، انجلى حندس الظلم.
قالت ءامنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما خرج مني خرج معه نور أضاء له المشرق والمغرب. وولد صلى الله عليه وسلم مكحولاً مدهونًا مسرورًا (مقطوع السرة) مختونًا، وحين ولد سارعت إلى طلعته المباركة ثلاثة من الملائكة، مع أحدهم طست من الذهب، ومع الثاني إبريق من الذهب، ومع الثالث منديل من السندس الأخضر، وغسلوه بماء الرحيق.
قالت ءامنة بنت وهب: فلما وضعته رأيته رافعًا رأسه إلى السماء مشيرًا بإصبعه، فاحتمله جبريل وطارت به الملائكة، ولفه ميكائيل في ثوب أبيض من الجنة، وأعطاه إلى رضوان يزقه كما يزق الطير فرخه، وكنت أنظر إليه كأنه يقول: زدني، فقال له رضوان: يكفيك يا حبيب الله، فما بقي لنبي علم وحلم إلا أوتيته، فاستمسك بالعروة الوثقى، من قال مقالتك واتبع شريعتك، يحشر غدًا في زمرتك، وإذا مناد ينادي: طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها، واعرضوه على موالد الأنبياء، وأعطوه صفوة ءادم، ومعرفة شيث، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ورضا إسحاق، وفصاحة إسماعيل، وحكمة لقمان، وصبر أيوب، ونغمة داود، وقوة موسى، وزهد عيسى، وفهم سليمان، وطب دانيال، ووقار إلياس، وعصمة يحيى، وقبول زكريا، واغمسوه في أخلاق النبيين كلهم، وأخفوه عن أعين العالمين، فهو حبيب رب العالمين، فطوبى لحجر ضمه، وطوبى لثدي أرضعه، وطوبى لبيوت سكنها، فقالت الطير: نحن نكفله، وقالت الملائكة: نحن أحق به وقالت والوحوش: نحن نرضعه. قال الله تعالى: أنا أولى بحبيبي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فإني قد كتبت أن لا ترضعه إلا أمتي حليمة.
الخميس سبتمبر 11, 2014 7:54 pm من طرف نتالي
» (العربية) ماهر زين - ان شاء الله
الجمعة فبراير 18, 2011 3:30 pm من طرف Medo Ali
» ضربات ترجيحيه اسبانيا وايطاليا
الجمعة فبراير 18, 2011 3:28 pm من طرف Medo Ali
» الشوالي يشهد لكاسياس بأنه الافضل
الجمعة فبراير 18, 2011 3:21 pm من طرف Medo Ali
» اروع 10 صدات فى تاريخ كره القدم لأقوى حراس العالم
الجمعة فبراير 18, 2011 3:16 pm من طرف Medo Ali
» ابداعات كاسياس
الجمعة فبراير 18, 2011 3:13 pm من طرف Medo Ali
» قصتي مع طريق الموت...وما رأيت فيه من مشهد مروع وأليم..!!
الثلاثاء يناير 25, 2011 4:29 am من طرف Medo Ali
» موقف مؤلم رأيته بعيني حينما .. رأيت الحادث الفاجعة وحصل فيه موقف أبكاني !!!!!
الثلاثاء يناير 25, 2011 4:29 am من طرف Medo Ali
» لحـظـة نجـاة!!
الثلاثاء يناير 25, 2011 4:28 am من طرف Medo Ali